
الرياح الصامته
مشرفة قسم القصص
مشرف
العضوية الذهبيه
نودزاوي شاعر
نودزاوي حكيم
ملك الصور
برنس الصور
برنس الفضفضة
ناشر مجلة
عضو
ناشر محتوي
ناشر قصص
ناشر صور
ناشر محتوى
ناقد فني
- إنضم
- 7 أبريل 2025
- المشاركات
- 606
- مستوى التفاعل
- 849
- نقاط نودزاوي
- 50,802
- الجنس
- أنثي
- الدولة
- Alexandria
- توجه جنسي
- أنجذب للإناث
Offline
وُلِدَت أسماءُ في إحدى مستشفيات المدينة البسيطة، في ليلةٍ شتويةٍ عاتية، وكان البرد يملأ الأرجاء كأنّ الأرض تحتضر من شدته، والكهرباء منقطعة، والغرفة التي وُلِدت فيها تكتنفها الظلال. لكن الممرضة العجوز التي كانت تُساعد في الولادة، قالت فيما بعد إنّ نورًا غريبًا شعّ للحظة حين صرخَت الصغيرةُ لأول مرّة. لم يلحظه الجميع، ولكن العجوز أقسمت أنّه كان نورًا غير دنيوي.
منذ صِباها، حملت أسماء في عينيها شيئًا مختلفًا، كأنّها لم تُخلَق من طينٍ مثل بقية البشر، بل من شيءٍ أنقى، أشدّ صفاءً. كانت طفلةً هادئة، قليلة البكاء، كثيرة التحديق في السماء. إذا ضحكت، خجل النسيم من رقّتها، وإذا مشت، خفّت خطاها كأنّ الأرضَ تخشى أن تُؤذي قدميها.
نشأت في بيتٍ بسيطٍ على سطح إحدى البنايات القديمة، تحيطه أصص الزرع، وأصوات العصافير في الصباح. كانت أمّها سيّدةً بسيطةً تُنظّف البيوت، وأبوها سائق شاحنة يسافر كثيرًا، لكنّه كان يعود محمّلاً بالهدايا لأسماء، كأنّه يعلم في قرارة نفسه أنّه قد لا يعود ذات يوم. ومع كلّ غيابه، كانت هي الأمل الهادئ في قلب أمّها، تذاكر بجدّ، تساعد في الأعمال المنزلية، تُصلّي في وقتها، وتحمل على ظهرها حقيبةً وردية، فيها كراسات مرتّبة، وكتاب صغير للخواطر، كانت تكتبه حين تختلط عليها مشاعرها.
عندما بلغت الثانية عشرة، بدأت ملامحها تنضج ببطء، لكن بنعومة لا تُوصف. كانت ملامحها بريئة كأنّها خُلِقت لتكون رمزًا للجمال الصامت، لا الجمال المتباهِي. كان الجميع في الحي يعرفونها، كبارًا وصغارًا، فهي تحيّي الجميع، وتُساعد جاراتها العجائز، وتلعب مع الأطفال، ثم تعود إلى شرفتها تقرأ أو تكتب.
لم تكن تحبّ مواقع التواصل كثيرًا، لكنّها أنشأت حسابًا خاصًا تنشر فيه صورًا للسماء، والغروب، وتكتب تحتها كلماتٍ مثل: "أشعر أنّ قلبي لا يُشبه قلوب الناس، لماذا أحزن فجأة دون سبب؟" أو: "هناك ألمٌ صغير لا يُرى، يسكن في عيني رغم ابتسامتي." وكأنّها كانت تنبئ العالم بشيءٍ قادم.
في يومٍ خريفيّ، خرجت أسماء إلى درسها كعادتها، الساعة الرابعة مساءً. كانت ترتدي كنزةً بيضاء، وبنطال جينز فاتح، وتضع شالًا ناعمًا ورديًّا حول عنقها. قبّلتَ أمها، وقالت وهي تهمّ بالنزول: "سأعود بعد ساعة يا أمّي، لا تقلقي." وكان ذلك آخر ما سمعته الأم من ابنتها.
مرّت الساعة... ثم الثانية... ثم الثالثة... ولم تعد أسماء.
الهاتف مغلق. لا تردّ. أمّها بدأت تسأل الجيران. أصدقاءها في الدرس قالوا إنها خرجت وحدها. الشرطة تمّ إبلاغها، والبحث بدأ، لكن لا أثر.
في اليوم الثاني، ظهر مقطعٌ من كاميرا مراقبة، يُظهر أسماء تمشي في شارع فرعي، بهدوئها المعهود. ثم تختفي.
وفي اليوم الثالث... وُجِدت.
عُثِر على جثتها في أرضٍ فضاء خلف عمارة تحت الإنشاء. كانت مُلقاة على جانبها، تغطّيها قطعة قماش بالية، وشعرها منثور على وجهها كستار حزين. آثار العنف كانت واضحة على جسدها. لم تُطعَن بسكّين، ولم تُقتل رميًا بالرصاص، بل كان موتها بطيئًا، خنقًا، ******ًا، تمزيقًا لإنسانية كانت لا تزال تنمو.
المدينة بأكملها سقطت في صدمة. لم يكن أحد يتخيّل أنّ أسماء، التي كانت رمز الطهر، يُمكن أن تكون ضحيّة لهكذا جريمة.
جنازتها كانت مشهدًا من الحزن الطاغي. آلافٌ من الناس حضروا، لا أحد يعرف بعضهم بعضًا، لكنّ جميعهم عرفوا أسماء. حملوا وردًا أبيض، وبكوا كما لم يبكوا من قبل. والدها وقف أمام النعش، لا يتكلّم، عيونه غارقة في صمتٍ أعمق من الدموع. أمّها صرخت مرةً واحدة، ثم خرس صوتها إلى الأبد.
أُقيم لها قبرٌ من رخام أبيض، كتبت عليه أمّها بيدٍ مرتجفة: "هنا ترقد أسماء... وردة لم يكتمل تفتّحها."
لم يُعرف القاتل. لم تُكشف التفاصيل. قال البعض إنّها عصابة. قال البعض إنّه رجلٌ مختلّ يعيش في الظلال. لكن الحقيقة الأهم أنّ الطهارة قُتلت. وأنّ الحياة لم تعد كما كانت.
أمّها لم تخرج من البيت بعدها، كانت تجلس كل ليلة في غرفتها، تحتضن وسادتها، وتشغّل التسجيل الصوتي الأخير الذي أرسلته أسماء: "سأعود بعد ساعة يا أمّي... لا تقلقي." وتبكي.
أمّا الحيّ، فقد تغيّر. البنات أصبحن يمشين بخوف. الأمهات أصبحن يرافقن بناتهن إلى أبواب المدارس. والخوف أصبح ساكنًا في العيون.
مرت السنوات... وأسماء لم تُنسَ.
أصبحت رمزًا. تُرسم صورتها على الجدران. تُنشر قصتها في المدارس. تُذكر في المساجد. وكانت كل فتاة تُؤذَى... تُقال لها الجملة ذاتها: "لا نريدك أن تصبحي مثل أسماء."
لكن الحقيقة أنّ أسماء لم تكن مجرد ضحيّة.
أسماء كانت رسالة.
رسالة تقول إنّ النقاء في هذا العالم مهدّد.
وأنّ علينا حمايته... قبل أن يُمزّق كما مُزِّقت أسماء.
ولذلك، فإنّها لا تزال حية.
في قلوبنا.
وفي كل دمعةٍ تنزل دون صوت.
وفي كل ****ٍ تُرفع دون كلام.
رحمكِ ****، يا من كنتِ ضوءًا وانطفأتِ قبل أن يُكمل القمر دورته.
منذ صِباها، حملت أسماء في عينيها شيئًا مختلفًا، كأنّها لم تُخلَق من طينٍ مثل بقية البشر، بل من شيءٍ أنقى، أشدّ صفاءً. كانت طفلةً هادئة، قليلة البكاء، كثيرة التحديق في السماء. إذا ضحكت، خجل النسيم من رقّتها، وإذا مشت، خفّت خطاها كأنّ الأرضَ تخشى أن تُؤذي قدميها.
نشأت في بيتٍ بسيطٍ على سطح إحدى البنايات القديمة، تحيطه أصص الزرع، وأصوات العصافير في الصباح. كانت أمّها سيّدةً بسيطةً تُنظّف البيوت، وأبوها سائق شاحنة يسافر كثيرًا، لكنّه كان يعود محمّلاً بالهدايا لأسماء، كأنّه يعلم في قرارة نفسه أنّه قد لا يعود ذات يوم. ومع كلّ غيابه، كانت هي الأمل الهادئ في قلب أمّها، تذاكر بجدّ، تساعد في الأعمال المنزلية، تُصلّي في وقتها، وتحمل على ظهرها حقيبةً وردية، فيها كراسات مرتّبة، وكتاب صغير للخواطر، كانت تكتبه حين تختلط عليها مشاعرها.
عندما بلغت الثانية عشرة، بدأت ملامحها تنضج ببطء، لكن بنعومة لا تُوصف. كانت ملامحها بريئة كأنّها خُلِقت لتكون رمزًا للجمال الصامت، لا الجمال المتباهِي. كان الجميع في الحي يعرفونها، كبارًا وصغارًا، فهي تحيّي الجميع، وتُساعد جاراتها العجائز، وتلعب مع الأطفال، ثم تعود إلى شرفتها تقرأ أو تكتب.
لم تكن تحبّ مواقع التواصل كثيرًا، لكنّها أنشأت حسابًا خاصًا تنشر فيه صورًا للسماء، والغروب، وتكتب تحتها كلماتٍ مثل: "أشعر أنّ قلبي لا يُشبه قلوب الناس، لماذا أحزن فجأة دون سبب؟" أو: "هناك ألمٌ صغير لا يُرى، يسكن في عيني رغم ابتسامتي." وكأنّها كانت تنبئ العالم بشيءٍ قادم.
في يومٍ خريفيّ، خرجت أسماء إلى درسها كعادتها، الساعة الرابعة مساءً. كانت ترتدي كنزةً بيضاء، وبنطال جينز فاتح، وتضع شالًا ناعمًا ورديًّا حول عنقها. قبّلتَ أمها، وقالت وهي تهمّ بالنزول: "سأعود بعد ساعة يا أمّي، لا تقلقي." وكان ذلك آخر ما سمعته الأم من ابنتها.
مرّت الساعة... ثم الثانية... ثم الثالثة... ولم تعد أسماء.
الهاتف مغلق. لا تردّ. أمّها بدأت تسأل الجيران. أصدقاءها في الدرس قالوا إنها خرجت وحدها. الشرطة تمّ إبلاغها، والبحث بدأ، لكن لا أثر.
في اليوم الثاني، ظهر مقطعٌ من كاميرا مراقبة، يُظهر أسماء تمشي في شارع فرعي، بهدوئها المعهود. ثم تختفي.
وفي اليوم الثالث... وُجِدت.
عُثِر على جثتها في أرضٍ فضاء خلف عمارة تحت الإنشاء. كانت مُلقاة على جانبها، تغطّيها قطعة قماش بالية، وشعرها منثور على وجهها كستار حزين. آثار العنف كانت واضحة على جسدها. لم تُطعَن بسكّين، ولم تُقتل رميًا بالرصاص، بل كان موتها بطيئًا، خنقًا، ******ًا، تمزيقًا لإنسانية كانت لا تزال تنمو.
المدينة بأكملها سقطت في صدمة. لم يكن أحد يتخيّل أنّ أسماء، التي كانت رمز الطهر، يُمكن أن تكون ضحيّة لهكذا جريمة.
جنازتها كانت مشهدًا من الحزن الطاغي. آلافٌ من الناس حضروا، لا أحد يعرف بعضهم بعضًا، لكنّ جميعهم عرفوا أسماء. حملوا وردًا أبيض، وبكوا كما لم يبكوا من قبل. والدها وقف أمام النعش، لا يتكلّم، عيونه غارقة في صمتٍ أعمق من الدموع. أمّها صرخت مرةً واحدة، ثم خرس صوتها إلى الأبد.
أُقيم لها قبرٌ من رخام أبيض، كتبت عليه أمّها بيدٍ مرتجفة: "هنا ترقد أسماء... وردة لم يكتمل تفتّحها."
لم يُعرف القاتل. لم تُكشف التفاصيل. قال البعض إنّها عصابة. قال البعض إنّه رجلٌ مختلّ يعيش في الظلال. لكن الحقيقة الأهم أنّ الطهارة قُتلت. وأنّ الحياة لم تعد كما كانت.
أمّها لم تخرج من البيت بعدها، كانت تجلس كل ليلة في غرفتها، تحتضن وسادتها، وتشغّل التسجيل الصوتي الأخير الذي أرسلته أسماء: "سأعود بعد ساعة يا أمّي... لا تقلقي." وتبكي.
أمّا الحيّ، فقد تغيّر. البنات أصبحن يمشين بخوف. الأمهات أصبحن يرافقن بناتهن إلى أبواب المدارس. والخوف أصبح ساكنًا في العيون.
مرت السنوات... وأسماء لم تُنسَ.
أصبحت رمزًا. تُرسم صورتها على الجدران. تُنشر قصتها في المدارس. تُذكر في المساجد. وكانت كل فتاة تُؤذَى... تُقال لها الجملة ذاتها: "لا نريدك أن تصبحي مثل أسماء."
لكن الحقيقة أنّ أسماء لم تكن مجرد ضحيّة.
أسماء كانت رسالة.
رسالة تقول إنّ النقاء في هذا العالم مهدّد.
وأنّ علينا حمايته... قبل أن يُمزّق كما مُزِّقت أسماء.
ولذلك، فإنّها لا تزال حية.
في قلوبنا.
وفي كل دمعةٍ تنزل دون صوت.
وفي كل ****ٍ تُرفع دون كلام.
رحمكِ ****، يا من كنتِ ضوءًا وانطفأتِ قبل أن يُكمل القمر دورته.